معرفة الجمل

الابتكار من قلب الصحراء: تمكين السعودية لتكون مركزًا عالميًا في تكنولوجيا الجِمال الحيوية

قليلون أولئك الذين يمكنهم تخيل أن الجمل سيكون في صميم رؤية عالمية للتكنولوجيا الحيوية في وقت تتسابق فيه الدول إلى اقتناص أنصبتهم في القطاعات التقنية المتقدمة. ومع ذلك، فإن هذا بعينه هو ما يحدث في المملكة العربية السعودية. فمن خلال مشاريع مبتكرة مثل كاملكس، تُعيد المملكة تعريف الجمل باعتباره بوابة رئيسية نحو السيادة البايوتكنولوجية وتنويع الاقتصاد، مستفيدة من إرثها التاريخي الثقافي العريق.

لطالما ارتبط الجمل بالتحمل والبقاء في الصحراء، لكنه اليوم بات رمزًا لطموحات السعودية العلمية، فاتحًا آفاقًا جديدة في مجالات الزراعة، والصحة، والاستدامة، وحتى الاستعداد للأوبئة.

أهمية تكنولوجيا الجِمال الحيوية اليوم

في ظل التحديات التي تواجه العالم، من اضطرابات سلاسل الإمداد، والأمراض الحيوانية المنشأ، إلى تغير المناخ، أصبحت الحاجة إلى حلول حيوية محلية ومرنة ومستدامة أكثر إلحاحًا. النماذج التقليدية للتكنولوجيا الحيوية أصبحت محل شك، إذ تعتمد غالبًا على كائنات مستوردة وبنى تحتية خارجية.

أما التكنولوجيا الحيوية للجِمال؛ فتمثل نموذجًا بديلًا مستداما، نموذج مستند إلى بيولوجيا محلية تطورت عبر عقود لتتحمل أقسى الظروف، وتمتلك أسسا قوية من حيث:

  • البنية التحتية الثقافية والتجارية الموجودة مسبقًا (مزارع الجِمال، المهرجانات، المربّون).
  • المنتجات البيولوجية عالية القيمة مثل مكونات الأغذية الوظيفية والأجسام النانوية.
  • سعي السعودية إلى تصدير الابتكار إلى الخارج من خلال مورد كونت المملكة فيه خبرة تراكمية بُنيت عبر الأجيال وتفهمه بعمق، بدلًا من استيراد الحلول.

كاملكس: رؤية تتجاوز المشروع

كاملكس ليست مجرد دراسة أو منشأة بحثية، بل هي منصة متكاملة تهدف إلى تشجيع التعاون بين العلماء ورواد الأعمال والمستثمرين وصناع السياسات، وهو يقوم على خمس ركائز أساسية تعكس أولويات رؤية 2030:

  • الريادة العلمية: جعل المملكة رائدة في مجالات علم المناعة، وتطبيقات التكنولوجيا الحيوية، وجينوم الجِمال.
  • تنويع الاقتصاد: تقليل الاعتماد على النفط من خلال تطوير منتجات مشتقة من الجِمال لقطاعات مثل الأدوية، والمكملات الغذائية، والتشخيص.
  • دمج الثقافات: تعزيز دعم الجمهور ودمج المعرفة العلمية المعاصرة مع الموروث التقليدي.
  • الاستدامة: توظيف الجِمال كحيوانات قادرة على التكيف المناخي لدعم أنظمة الغذاء والزراعة المستدامة.
  • التموضع العالمي: تطوير ملكية فكرية قابلة للتصدير، ووضع المملكة في أسواق التكنولوجيا الحيوية العالمية، وجذب التعاون الدولي.

بناء بنية تحتية لمركز تكنولوجيا الجِمال الحيوية

تم وضع الأساس بالفعل، إذ تمتلك السعودية عددا كبيرا من الجِمال، ما يوفّر بيانات وفيرة وتنوعًا جينيًا ومشاركة واسعة من أصحاب المصلحة عبر فعاليات كمهرجان الملك عبد العزيز للإبل. المرحلة القادمة تتطلب استثمارات محددة في:

  • مراكز أبحاث الجِمال تشمل مختبرات للميكروبيوم، والبروتيوميات، وتقنيات التسلسل المتقدمة.
  • شراكات بين القطاعين العام والخاص لتوسيع شركات التكنولوجيا الحيوية العاملة في الابتكار البيطري، وتصنيع الأجسام النانوية، ومنتجات حليب الجِمال.
  • برامج تعليمية تجمع بين التطوير التجاري والبيولوجيا الجزيئية والطب البيطري لتخريج جيل جديد من علماء الجِمال.

كما يمكن لتكنولوجيا الجِمال الحيوية أن تلعب دورًا رئيسيًا في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية، والتي يُتوقع أن توفّر أكثر من 100,000 وظيفة في القطاع بحلول عام 2030.

دروس من أسواق ناشئة

أظهرت دول أخرى كيف يمكن للبيولوجيا المحلية أن تقود العالم:

  • طوّرت نيوزيلندا لقاحات باستخدام جينات الأغنام
  • بنت الهند صناعة مكملات غذائية مزدهرة عبر الأعشاب الأيروفيدية
  • استثمرت البرازيل في تنوع الغابات لاكتشاف أدوية جديدة

 

أما السعودية، فمنتجها الفريد هو الجمل المتكيف مع الصحراء؛ إذ توفر بيولوجيته حلولًا لمشاكل حديثة مثل التكيف المناخي والأمراض الأيضية، وتشمل التطبيقات المحتملة خصائص الجِمال الفيزيولوجية مثل البروتينات الشبيهة بالإنسولين في الحليب، والجينات المقاومة للملوحة، وأنظمة التنظيم الحراري، وهي مجالات تمتد إلى ما هو أبعد من الطب البيطري.

تكنولوجيا الجِمال الحيوية كقوة ناعمة

لا تقتصر قوة تكنولوجيا الجِمال الحيوية على الجوانب العلمية والاقتصادية، بل تسهم في تعزيز القوة الناعمة للمملكة. فاستضافة السعودية لقمم عالمية، وإطلاق مشاريع عملاقة مثل نيوم، وتقديم نفسها كمركز للابتكار، كل ذلك يرسل رسالة قوية: “نحن نصنع المستقبل من خلال تكريم الماضي”.

وفي صناعة التكنولوجيا الحيوية التي تزدحم بالتسويق التقليدي، تبرز السعودية بفضل علامتها الفريدة التي تجمع بين التراث والتكنولوجيا.

تحديات متوقعة

رغم الإمكانيات الهائلة، إلا أن بناء منظومة تكنولوجيا الجِمال الحيوية لا يخلو من التحديات:

  • غموض تنظيمي بشأن الأدوية والمكملات الغذائية الجديدة.
  • تردد بعض المستثمرين الدوليين غير المطلعين على بيولوجيا الجِمال.
  • الحاجة إلى توحيد البروتوكولات الخاصة بالتجارب السريرية، وجمع العينات الجينية، ورعاية الجِمال.

ولا يمكن تجاوز هذه التحديات إلا من خلال إستراتيجية وطنية مدعومة بسياسات مرنة، ودبلوماسية علمية، وشراكات دولية.

الخاتمة: مستقبل تقوده الجِمال

لا تمثّل تكنولوجيا الجِمال الحيوية فرصة اقتصادية فحسب، بل تجسد تحولًا فكريًا سعوديًا جديدًا: تفكير جريء، متجذر في الهوية الوطنية، ولا يخشى الريادة في مجالات علمية غير مستكشفة.

ومع تصاعد زخم برنامج كاملكس، لا تبحث السعودية فقط في الجِمال، بل ترسم ملامح ريادتها في مجال بايوتكنولوجي لم يُستغل بعد، وله أهمية عالمية. وفي عالم قد تبدو فيه الابتكارات مفصولة عن الثقافة أو الاستدامة، تُثبت المملكة أن إجابات المستقبل قد تنبت على ثرى تاريخها الأصيل العميق.

المراجع

  • Wu, H., Guang, X., Al-Fageeh, M. B., وآخرون. (2014). الجينومات الجملية تكشف عن التكيف مع البيئات الصحراوية. Nature Communications، 5، 5188
  • Muyldermans, S. (2013). الأجسام النانوية: الأجسام المضادة أحادية المجال الطبيعية. المراجعة السنوية للكيمياء الحيوية، 82، 775–797
  • رؤية السعودية 2030. (2020). برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية. متاح عبر:https://vision2030.gov.sa
  • FAO. (2021). الثروة الحيوانية المستدامة من أجل التنمية المستدامة. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
  • Al-Swailem, A. M., وآخرون. (2010). تسلسل وتحليل جينوم الجمل العربي (Camelus dromedarius). مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (KACST)