معرفة الجمل

الماشية المقاومة للمناخ: كيف تسهم الجِمال في بناء مستقبل مستدام للسعودية

مع تسارع التغير المناخي، بات بناء أنظمة غذائية وصحية قادرة على الصمود مهمة حاسمة للدول في جميع أنحاء العالم. وتزداد أهمية البحث عن موارد بيولوجية مستدامة في المناطق الجافة كمنطقة الشرق الأوسط، حيث التصحر وشح المياه وارتفاع درجات الحرارة باتت واقعًا يوميًا. ومن اللافت أن الجمل، أحد أكثر الكائنات الحية مقاومة للمناخ، صمد آلاف السنين في هذه البيئات.

وفي إطار مواجهة المملكة العربية السعودية لتغير المناخ، لم يعد الجمل العربي (Camelus dromedarius) مجرد رمز ثقافي، بل أصبح اليوم عنصرًا أساسيًا في استراتيجيات التكيّف والاستدامة في قطاعات الزراعة، والصناعة، والتنمية الوطنية، إضافة إلى التكنولوجيا الحيوية والرعاية الصحية، من خلال مبادرات مثل كاملكس.

تكيف طبيعي مع البيئات القاسية

الجِمال خبراء في الصحراء. فهي مزودة بتركيبة حيوية تمكّنها من الحياة في أكثر البيئات قساوة، تستطيع الجِمال البقاء لأيام دون شرب الماء بخلاف المواشي الأخرى، ، وتستطيع الجمال تحمل درجات حرارة داخلية تصل إلى 41.7 درجة مئوية، وفقدان أكثر من 30% من الماء في الجسم (Schmidt-Nielsen et al., 1956):

وتكمن أهمية هذه الخصائص في صميم الاستدامة. على عكس الأغنام والأبقار، الجِمال:

  • تستهلك كمية أقل من الماء لإنتاج وحدة واحدة من الحليب.
  • تُطلق كميات أقل من الغازات الدفيئة لكل كيلوغرام من وزنها.
  • تتغذى على نباتات مالحة وشجيرات صحراوية منخفضة الجودة الغذائية.

هذا يجعل من الجِمال حلاً مثاليًا لعصر تتسم فيه التقلبات المناخية بالحدة، فهي تقدم حليبًا، ولحمًا، ومكونات طبية، دون أن تفرض عبئًا بيئيًا كبيرًا على محيطها.

تربية الجِمال والأثر البيئي

تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن 14.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية تأتي من الثروة الحيوانية (Gerber et al., 2013). وتُعد الأبقار من أبرز منتجي غاز الميثان، وهو غاز أقوى بـ25 مرة من ثاني أكسيد الكربون خلال مئة عام.

لكن الجِمال، وبحكم أنها من ذوات المعدة المركبة غير المجترة، تنتج ميثانًا أقل بكثير من الأبقار، بفضل جهازها الهضمي ذي الثلاث غرف وبيئته الميكروبية الفريدة (Dittmann et al., 2014). وبالتالي، فإن تربية الجِمال أكثر توافقًا مع مبادرة السعودية الخضراء التي تهدف إلى الوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2060.

ألبان مستدامة وأغذية وظيفية

ليس عبثًا أن يُطلق على حليب الإبل “الذهب الأبيض”. فهو يحتوي على نسب أعلى من البروتينات المناعية، والببتيدات الشبيهة بالأنسولين، والأحماض الدهنية غير المشبعة، مقارنة بحليب الأبقار (El-Agamy, 2009). كما أن إنتاج حليب الجِمال يستهلك من الماء ما يقل من مرتين إلى خمس مرات مقارنة بحليب الأبقار، خصوصًا في المناطق الحارة.

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تستورد أكثر من 80% من غذائها، فإن الاستثمار في حليب الإبل كغذاء فائق محلي مقاوم للمناخ، يُعد ضرورة استراتيجية وبيئية.

وتعمل المراكز البحثية السعودية بالفعل على تطوير حلول في مجالات استخلاص المركبات الطبية، والبسترة، ومعالجة الحليب:

  • قد تسفر هذه الابتكارات عن أشكال جديدة من التغذية الطبية للأمراض المزمنة.
  • ومنتجات ألبان طويلة الصلاحية تُناسب المناطق المعزولة أو الصحراوية.
  • وأغذية علاجية تُنتج محليًا وتُقلل الاعتماد على المستلزمات الطبية المستوردة.

التنوع البيولوجي الصحراوي والحفاظ عليه

الجِمال ليست فقط حيوانات إنتاجية، بل تُعد أيضًا مكوّنًا مهمًا في النظم البيئية الصحراوية. فبفضل أساليب رعيها، تُسهم في الحد من النمو النباتي المفرط ونشر البذور، ما يُحافظ على التوازن البيئي. كما تُساهم في الحفاظ على المعرفة التقليدية والتنوع الحيوي لدى المجتمعات البدوية وشبه البدوية.

يمكن للمملكة أن:

  • تحافظ على السلالات الجينية المحلية ذات الخصائص التكيفية الفريدة من خلال دعم تربية الجِمال المستدامة.
  • تشجع المشاريع المرتبطة بالجِمال لمحاربة الفقر الريفي.
  • تدعم السياحة البيئية وبرامج الحفاظ الثقافي المرتبطة بحياة الصحراء.

ويهدف برنامج كاملكس إلى جمع البيانات الجينية للجِمال والحفاظ عليها، لإرشاد جهود الحفظ التي تجمع بين المنظورين الثقافي والعلمي.

تكنولوجيا الجِمال الصحية المتكيفة مع المناخ

تتجاوز المرونة المناخية للجِمال البيئة لتشمل الصحة، إذ يُمكن استخدام الأجسام النانوية المستخلصة من الجِمال، والمقاومة للحرارة، في اللقاحات والتشخيصات الطبية دون الحاجة إلى التبريد، وهي ميزة حيوية في المناطق التي تفتقر لسلسلة التبريد.

وفي أماكن ترتفع فيها معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة ويصعب فيها الحصول على الدواء، تُظهر ببتيدات حليب الجمل فوائد مضادة للالتهاب والسكري (Malik et al., 2012).

وتنسجم هذه الخصائص مع المبادرات الدولية الهادفة لتوفير رعاية صحية عادلة ومنخفضة الكربون، وهي مجالات تستطيع السعودية أن تلعب فيها دورًا رياديًا.

رؤية موجهة نحو المستقبل

الاستدامة لا تقتصر على الحفاظ على النظم البيئية، بل تعني أيضًا بناء أنظمة قادرة على التكيف مع الصدمات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. وهنا، يُقدم الجمل نموذجًا مفاجئًا لكنه فعّال.

يمكن للمملكة أن:

  • تُنشئ سلاسل إمداد غذائية وصحية محلية ومتينة عبر الاستثمار في التغذية، والتكنولوجيا الحيوية، والزراعة المعتمدة على الجِمال.
  • تُقدّم تقنيات مخصصة للبيئات الصحراوية إلى الدول المعرضة لتغير المناخ.
  • تُروّج لعلم يستند إلى الهوية البيئية والثقافية المحلية.

كاملكس هو مشروع علمي ورمز للابتكار المتجذر في البيئة، ومع تسارعه، يتحوّل الجمل من مجرد حيوان إلى حليف مناخي في عالم يزداد سخونة.

المراجع

  • Dittmann, M. T., Runge, U., Lang, R. A., وآخرون. (2014). انبعاثات الميثان من الجِمال: مقارنة مع المجترات. PLOS ONE، 9(5)، e94363
  • El-Agamy, E. I. (2009). المكونات النشطة في حليب الجمل. ضمن كتاب الحليب ومنتجات الألبان في تغذية الإنسان، صفحات 159–171، Wiley-Blackwell
  • Gerber, P. J., وآخرون. (2013). مواجهة تغير المناخ من خلال الثروة الحيوانية. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة
  • Malik, A., Al-Senaidy, A., Skrzypczak-Jankun, E., & Jankun, J. (2012). دراسة العوامل المضادة للسكري في حليب الجمل. المجلة الدولية للطب الجزيئي، 30(3)، 585–592
  • Schmidt-Nielsen, K., وآخرون. (1956). الحفاظ على الماء في الجمل. المراجعات الفسيولوجية، 36(2)، 203–229